آية جبر
بالأمس القريب، كان السنغالي ساديو ماني واحداً من أفضل نجوم العالم في لعبة كرة القدم، وكان أحد الركائز الأساسية في تحقيق العديد من الألقاب لصالح فريقه ليفربول ومنتخب بلاده، ولكن سرعان ما تحوّل من نجم في فريقه الإنكليزي إلى أحد هؤلاء اللاعبين الذي يسعى أي فريق للتخلّص منه، لأنه أصبح بمثابة "العالة" على الفريق، يكلّفه الأموال فقط من دون الحصول على المقابل الفني داخل المستطيل الأخضر، ما جعله ينتقل من فريق إلى آخر في فترة وجيزة من دون أن يحقق إنجازات جديدة في مسيرته الكروية منذ رحيله عن الـ"ريدز".
ماني أحد أضلاع الثلاثية التاريخية في ليفربول
وقبل التطرّق إلى ما يحدث مع ساديو ماني خلال هذه الأيام، يجب أن نشير إلى الأسطورة السنغالية التي وضعت بصمتها الذهبية داخل ملعب أنفيلد معقل ليفربول، بعدما انتقل إلى الفريق في موسم 2017-2016 قادماً من نادي ساوثمبتون بناءً على رغبة الألماني يورغن كلوب المدير الفني الذي كان يحلم ببناء الجيل الذهبي لـ"الريدز"، وهو ما حدث بالفعل، حيث تُعدّ الفترة التي قضاها ماني مع ليفربول هي الحقبة الذهبية في مسيرته الكروية.
فقد شكّل اللاعب السنغالي مثلثاً هجومياً شرساً مع المصري محمد صلاح والبرازيلي روبرتو فيرمينو، ونجحوا في إعادة الـ"ريدز" مرّة أخرى إلى منصات التتويج. وتمكن "أسد التيرانغا" من تسجيل 90 هدفاً خلال 196 مواجهة خاضها مع فريقه الإنكليزي في المسابقات المحلية والقارية، وساهمت هذه الأهداف بصورة كبيرة في تتويج فريقه بـ7 ألقاب، من بينها 4 ألقاب محلية: (الدوري الإنكليزي الممتاز، كأس الاتحاد الإنكليزي، كأس الرابطة، الدرع الخيرية)، ولقبان قاريان: (دوري أبطال أوروبا وكأس السوبر الأوروبية)، بالإضافة إلى اللقب الدولي في كأس العالم للأندية 2019.
وساهم هذا "الثلاثي" أيضاً في وصول الفريق إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، موسمي: (2018/2017، 2021/2020)، بالإضافة إلى منافسته بشراسة على لقب الـ"بريميرليغ" طوال هذه المواسم، حيث انحصرت المنافسة على اللقب بين ليفربول ومانشستر سيتي، إلّا أنّ الأخير كانت له الغلبة.
نهاية الحقبة الذهبية وبداية الانحدار
ومع انتهاء موسم 2022/2021، وحلول الموسم الجديد، بدأت العلاقة تتدهور بين ساديو ماني ويورغن كلوب، بسبب تراجع المستوى الفني للاعب، ما جعل الألماني يتركه على مقاعد البدلاء في كثير من الأحيان، وهو ما دفع ماني إلى خوض تجربة جديدة، والانتقال إلى الدوري الألماني من بوابة العملاق البافاري "بايرن ميونيخ"، حيث رأى أنه سيبدأ حقبة ذهبية جديدة في مسيرته الكروية داخل المستطيل الأخضر.
ولم يكن "الأسد السنغالي" يتوقع أنّ بريقه مع الـ"ريدز" لن يلمع مرّة أخرى، بعدما اتضحت أنّ الرؤية الفنية لكلوب كانت صائبة بعدم الاعتماد عليه بالفترة الأخيرة، وهو ما ظهر عندما اكتفى اللاعب بإحراز 7 أهداف فقط خلال 25 مباراة شارك فيها مع بايرن ميونيخ، ولم يقدّم ماني المطلوب منه فنياً داخل الملعب، ما دفع المدرب يوليان ناغلسمان للتخلص منه في سوق الانتقالات التالي.
وبعد رغبة بايرن في التخلص من اللاعب، وجد ماني وجهته الجديدة في المملكة العربية السعودية التي أصبحت آنذاك وجهة للعديد من نجوم العالم، وهو ما حفّزه على خوض تجربة جديدة داخل الأراضي العربية بقميص النصر، أحد عمالقة الدوري السعودي، في صفقة كلّفت النادي آنذاك 40 مليون يورو، وجرى الاتفاق على توقيع عقد مدته 4 سنوات، على أن يتقاضى اللاعب 12.5 مليون ريال بالموسم الواحد. إلّا أنّ القصة لم يكتب لها النجاح أيضاً، فمنذ انتقال ماني إلى نادي النصر السعودي، لم يقدّم اللاعب أي جديد، بل اكتفى بتسجيل 6 أهداف خلال 16 مباراة شارك فيها، ثم نالت منه لعنة الإصابات توالياً.
وفي ظل الأزمة التي يمرّ فيها النصر السعودي من تراجع النتائج، بدأ النادي بالتخلص من اللاعبين الذين لم يقدّموا أي جديد للفريق، ويعتبر السنغالي ساديو ماني على رأس هؤلاء اللاعبين، والذي يحاول النادي التخلّص منه خلال سوق الانتقالات الصيفي الحالي 2024 ببيعه أو إعارته إلى نادي اتحاد جدة السعودي، إلّا أنّ الصفقة لم تتمّ بسبب راتب اللاعب الكبير.
هل انتهت المسيرة الكروية لـ"أسد التيرانغا"؟
وخلال رحلة ماني في مواسم الانتقالات السابقة بعد انتقاله من ليفربول، لم يتمكن اللاعب من إظهار فنياته العالية التي قادت فريقه نحو حصد العديد من الألقاب، وكذلك منتخب بلاده الذي قاده للتتويج بلقب كأس أمم أفريقيا 2021.
ويمكن القول إنّ حقبة ماني لم تنتهِ، إلّا أنه يحتاج فقط للتعامل الأمثل على غرار يورغن كلوب الذي يُعرف عن قدرته العالية بالتعامل النفسي السليم مع اللاعبين، وهو ما يساعدهم في إخراج أفضل ما لديهم من فنيات، وهو ما لم يحدث مع اللاعب منذ انتقاله إلى بايرن ومنه إلى النصر، وهو لم يوظف بشكل جيّد داخل الملعب، وذلك من خلال الاعتماد عليه كـ"جناح طائر"، وليس في مركز رأس الحربة الذي تألّق فيه برفقة ليفربول.
وربما يحتاج المدير الفني لفريقه الجديد أن يهيئ اللاعب وأن يجعله يلعب بلا ضغوطات، ومحاولة توظيفه بالصورة الأنسب داخل الملعب للحصول على النتيجة الأفضل، والابتعاد عن وضعه في مركز الجناح الذي يحتاج إلى فنيات وسرعة عالية، وهو ما يبدو أنّ اللاعب قد فَقَده بصورة كبيرة بسبب إصاباته المتكرّرة وتقدّمه في السن، حيث يبلغ من العمر 32 عاماً.