هاني سكر
أصبح كاسيميرو المركز الأساسي لعناوين الصحف العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي بعد هزيمة مانشستر يونايتد بثلاثية على أرضه من ليفربول، بالجولة الثالثة من الدوري الإنكليزي الممتاز، بعدما جاء الهدفان الأول والثاني من خطأين منه، الأول حين قام بتمريرة خاطئة في نصف ملعب فريقه، والثاني حين قطع لويس دياز الكرة منه بحركة ماكرة من الخلف. لكن، لو نظرنا للصورة العامة سنجد أن كاسيميرو لم يكن إلّا ضحية لما كان يحصل داخل ملعب المباراة، ووجوده في مكان المسؤولية كان نتيجة تحضير وعمل، سواء الذي قام به تن هاغ مدرب مانشستر يونايتد، أو أرني سلوت عبقري ليفربول الجديد.
بعد المباراة لم يتردّد مدرب "الريدز" الجديد بشرح شيء من وجهة نظره على اللقاء، ومن هذه الوجهة نفهم لماذا تحول كاسيميرو من نجم يؤدي بشكل مميز في أول جولتين، إلى ضحية في الليلة الأبرز في الشهر الأول من الموسم، ومشكلة كاسيميرو أن المباريات الكبيرة دائماً تنال اهتمام طيف أوسع من الجمهور والصحافة أيضاً، لذا فإن الخطأ في مباراة كهذه كافٍ للقول أن مستواك حالياً كارثي، حتى لو لعبت مباراتين قبلها بشكل جيد.
تحدث سلوت عن دراسته لأسلوب لعب مانشستر يونايتد في أول جولتين، ووجد أن الفريق بدأ يتحول لأسلوب 4-4-2 أكثر. بالتالي، نفهم أن ثنائي الارتكاز باتت أمامهما مساحة فارغة أكثر، وبات عليهما تغطية مساحة أوسع، مقابل أن يقوم الفريق بالضغط أكثر في المقدمة، بالتالي يبدو هذا بمثابة المجازفة الهجومية بزيادة الكثافة في الأمام على حساب كثافة الوسط، لكن ما فعله سلوت في الملعب تخطّى تعبير المجازفة التي قام بها تن هاغ، وكان أكثر عدوانية مع فارق أنه كان يعلم بأن المجموعة الموجودة لديه قادرة على الفوز بسباق الجري والعدوانية الذي سيُقام بالمساحة الموجودة بين خطي وسط وهجوم مانشستر يونايتد.
لكن، هل تكفي عملية قطع الكرة من لاعب وسط كي تسجّل هدفاً بالسرعة التي استفاد فيها لاعبو ليفربول من خطأي كاسيميرو؟ من المفترض عادة أن تكون الإجابة هي لا! لكن هذا هو الشق الأساسي من المجازفة التي اختارها سلوت، لأن المدرب طلب من دياز وصلاح أن يبقيا في مكان متقدّم في الملعب خلال محاولة الضغط على لاعبي الوسط، لذا نجد بلقطة الهدف الأول، أن صلاح وجد سوبوزلاي ودياز حرّين بسهولة على القائم البعيد، وحتى دياز جاء من نقطة متقدّمة جداً لقطع الكرة من كاسيميرو ثم عاد للصعود سريعاً.
إذاً، إن كان يونايتد قد جازف بالاعتماد على لاعبين بالخط الهجومي، فإن مجازفة ليفربول ربما كانت أكبر بإبقاء نجمَيه في الأمام ومحاولة توفير فرص "1 على 1" لهما، لكن الفارق أن سلوت كان يدرك نوعية لاعبيه الموجودين في الملعب، وأنهم أكثر جاهزية للجري أكثر وتغطية المساحات، وحتى حين سُئل عن هذه المجازفة أجاب بكل هدوء "يمكن لصلاح ودياز العودة فوراً حين يجدان أن العملية فشلت".
لا يتعلق الأمر بصلاح ودياز فقط، بل بأن غرافينبيرش وماك أليستر كانا مستعدين فوراً للضغط وتسهيل استعادة الكرة، فكلاهما لا يتمتع بأدوار لاعب الارتكاز الدفاعي بقدر تمتعه بالقدرة على اللعب كمحور، ويمتلك قدرة عالية في بناء اللعب والصعود للأمام، وهو ما يختلف عن كاسيميرو لاعب الارتكاز التقليدي، الذي وفي كل مرّة سيحاول الصعود أو لعب الكرة في منطقة المنافسة، سيجد من يحاول استغلاله.
صحيح أن كاسيميرو كان قد أدّى بشكل جيد ضدّ فولهام وبرايتون، لكن بنظرة سريعة سنجد أن نمط لاعبي الارتكاز المشابه لكاسيميرو لم يعد موجوداً بين كبار الدوري، فنرى أن سيتي يملك رودري القادر على تنظيم اللعب بشكل ممتاز، وذات الأمر بالنسبة لرايس في أرسنال، أما ليفربول فيدخل موسمه الثاني من دون لاعب ارتكاز صريح في تشكيلته، وبات يعتمد على ثنائية ماك أليستر وغرافينبيرش في مباراة كهذه، ليجد لاعبين قادرين على لعب الكرة أكثر.
وطبعاً، لم يكن كاسيميرو الضحية الوحيدة في هذه المواجهة بل ماينو أيضاً كان قد خسر كرة تسببت بمنح ليفربول الهدف الثالث، لكن هالة كاسيميرو وثقل أول هدفين كانا كفيلين بتسميته متهماً رئيسياً في هذه الفضيحة.
في المجمل، يقدّم سلوت الكثير من التفاصيل الممتعة خلال قيادته لليفربول حتى الآن، فإنهاء أول 3 جولات بحصيلة كاملة من النقاط ومن دون أن تهتز شباك الفريق، هو أمر يوحي بأن المفاهيم الأساسية التي أرادها المدرب الهولندي بدأت تظهر فعلاً، فهو يبحث دائماً عن أن يتصرف فريقه بهدوء أكبر من الملعب، مقارنة بالسرعة التي كانت مطلوبة في عهد كلوب، وبذات الوقت يريد لعناصره الضغط، لكن بطريقة فيها شيء أكثر من التركيز. وأشياء كهذه تساعده حتى الآن في رسم أجمل بداية كان من الممكن للمشجع للريدز أن يتخيّلها في الموسم الجديد، بانتظار ما إذا كان قادراً على الاستمرار بقراءة عقول خصومهم، وضربهم بالطريقة التي ضرب فيها يونايتد في أولد ترافورد.