آية جبر
منذ عام 2003 يعيش عشاق كرة المضرب واحدة من أمتع الحقب التي مرت في تاريخ اللعبة كاملة عند ظهور المايسترو السويسري روجيه فيدرير على الساحة، ودخوله في سباق العمالقة، ومن ثم صار هو العملاق ذاته الذي سعى الآخرون من أجل الوصول إليه ثم زاحمه بعد ذلك أسطورة الأراضي الترابية، الماتادور الإسباني رافائيل نادال، وتلاهم الإعصار الصربي نوفاك ديوكوفيتش، ليبدأ عصر الأساطير الثلاثة، وهيمنتهم على اللعبة كاملة، وانحصار المنافسة بينهم على مختلفة المسابقات، خصوصاً في البطولات الأربع للغراند سلام.
وخلال العشرين عاماً السابقة، لم تمر سنةََ واحدةً إلا وأن حصل أحد الثلاثي على واحدة من بطولات الغراند سلام على الأقل حتى بعد اعتزال فيدرير، واصل الثنائي الأخير مسيرتهما في كتابة أسمائهما في الموسم الواحد على إحدى الكؤوس الذهبية للمسابقات الكبرى لكرة المضرب.
بداية حقبة الأساطير في الغراند سلام
شهد عام 2002، تتويج السويدي توماس يوهانسن بلقب أستراليا المفتوحة، وحصول ألبرت كوستا على لقب رولان غاروس ثم تمكن الأسترالي ليتون هيويت من تحقيق لقب بطولة ويمبلدون، ثم نجح الأميركي بيت سامبراس في التتويج بلقب أميركا المفتوحة، ولكن مع نهاية هذا العام، كان السويسري روجيه فيدرير قد استعد لكتابة اسمه بأحرف من ألماس في تاريخ اللعبة، وبطولات الغراند سلام خاصة، والتي مسيرته بالألقاب فيها، بالحصول على لقب ويمبلدون للمرة الأولى عام 2003، وبالعام التالي، تمكن المايسترو من فرض سيطرته والجمع بين ثلاثة ألقاب من أصل أربع من المسابقات الكبرى، وهي: (أستراليا المفتوحة، ويمبلدون، أميركا المفتوحة).
ومع بداية عام 2005، دخل منافس شرس جديد للمايسترو، وهو الماتادور الإسباني "رافائيل نادال" الذي تمكن من التتويج بأحد أكبر ألقاب كرة المضرب، وهي بطولة رولان غاروس، فيما حصد السويسري لقبي ويمبلدون وأستراليا في ذلك العام، وخلال العامين التاليين، كانت البطولات الأربع الكبرى المفتوحة في عالم التنس محسومة لمصلحة الثنائي بحيث هيمن الإسباني على رولان غاروس ليحصل آنذاك على لقب الأراضي الترابية، ووضع فيدرير يديه على الألقاب الثلاثة الأخرى.
اكتمال مثلث الأساطير الثلاثة
ولكن مع حلول عام 2008، دخل الصربي نوفاك ديوكوفيتش الصراع، ليكتمل مثلث الأساطير في العصر الحديث، ويتمكن من خطف لقب أستراليا، فيما نجح نادال بالحفاظ على لقب رولان غاروس للمرة الرابعة على التوالي، وتحقيق لقب ويمبلدون للمرة الأولى في تاريخه على حساب المايسترو الذي اكتفى هذا العام بالحصول على لقب أميركا المفتوحة، إلا أنه سرعان ما غاب الصربي مرة أخرى، ولم يتمكن من منافسة الأسطورتين فيدرير ونادال اللذين اقتسما ألقاب الغراند سلام على مدار العامين التاليين حتى عودة ديوكوفيتش مرة أخرى إلى المنافسة.
ويمكن القول بأن عام 2011 هو بداية المنافسة الشرسة بين اللاعبين الثلاثة بعدما تسابق كل منهم في الحصول على أحد ألقاب الغراند سلام في كل عام، وتمكن نادال ونوفاك من إقصاء فيدرير من على منصات التتويج في البطولات الأربع الكبرى للمرة الأولى منذ عام 2003، ولكن السويسري عاد من جديد في العام التالي، وظل السجال بين الأساطير الثلاثة قائماً حتى عام 2018 الذي شهد اعتزال الأسطورة السويسرية روجيه فيدرير بسبب الإصابة التي كان يعانيها في الظهر بعدما أصبح ثاني أكثر لاعب تتويجاً بالبطولات بعدد 103 بطولات، والأكثر حصولاً على بطولات الغراند سلام بـ20 بطولة.
ديوكوفيتش ينهي حقبة الأساطير
وكان اعتزال فيدرير بمثابة البداية الحقيقية للإعصار الصربي الذي دخل المنافسة بشراسة مع نادال على جميع الألقاب، ونجح الثنائي في الحفاظ على وتيرة التتويج بأحد ألقاب الغراند سلام، ولكن الهيمنة لم تكن كاملة على البطولات الأربع، ومثلما أنهت الإصابة مسيرة فيدرير، فإن الأمر ذاته قد حدث للإسباني الذي تعرض إلى إصابة قوية في الركبة في عام 2022، وهو ما أبعده تماماً عن اللعبة، بعدما وصل إلى 88 لقباً في تاريخه وتخطى فيدرير بالحصول على 22 لقباً من بطولات الغراند سلام، وبالرغم من محاولاته العودة إلا أن جميع المؤشرات تدل إلى أنه سوف يعلن اعتزاله في النهاية بعد خروجه من جميع البطولات من الأدوار الأولى، وعدم قدرته على المنافسة مثل البداية.
وبعد خروج نادال هو الآخر من الصورة، حمل نوفاك ديوكوفيتش الأمر على عاتقه، وتمكن من الحفاظ على حصد أي من ألقاب الغراند سلام في كل عام، وبالفعل تمكن من ذلك بالعام الماضي 2023، حين جمع بين ثلاثة ألقاب كاملة، وهي أستراليا وأميركا ورولان غاروس بينما خسر ويمبلدون أمام الشاب الصاعد كارلوس ألكاراز، ولكنه نجح في أن يصبح اللاعب الأكثر تتويجاً ببطولات الغراند سلام في التاريخ بعدد 24 لقباً، كما أنه دخل في سباق الأكثر حصولاً على الألقاب في تاريخ لعبة التنس، واحتل المركز الثالث برصيد 98 لقباً.
وجاء العام الحالي 2024، ليقضي على حقبة الأساطير الثلاثة في بطولات الغراند سلام بعدما أبعدت الإصابة نادال من المشاركة في معظم البطولات، ولم يتمكن الصربي من بلوغ النهائي في أستراليا ثم انسحب من رولان غاروس بسبب الإصابة، وبالرغم من عودته في ويمبلدون ووصوله إلى النهائي، ولكنه خسره للمرة الثانية على التوالي من الثور الإسباني الصاعد بقوة ألكاراز، وبالرغم من حصده الميدالية الذهبية في أولمبيات باريس 2024، ووصوله إلى اللقب الـ99 في تاريخه، ولكنه فشل في الحفاظ على ما بدأه فيدرير في عام 2003 بعد خروجه من الدور الثالث في بطولة أميركا المفتوحة.
ولكن يبقى القوس مفتوحاً حتى الآن، خصوصاَ أن ديوكوفيتش كان قد صرح مسبقاً أنه لن يعتزل الآن، فهل يتمكن من العودة حقاً مع حلول عام 2025، والحفاظ على ما تبقى من عصر الثلاثي الأفضل في العصر الحديث، أم أن النهاية قد أتت والستار قد أُسدل، وكل ما هناك أن نوفاك يأبى الاعتراف بذلك؟