هاني سكر
في الوقت الذي يرى فيه الكثيرون أن التعرّض للإصابة يحمل شيئاً من الحظ، كونها قد تحدث بلحظة نتيجة تدخّل قاسٍ مثلاً أو تصرف خاطئ، كان من الممكن تفاديه، لا يرى الخبراء والمتخصصون ذلك بنفس الطريقة. فالمنطق يقول أنك حين ترفع نسبة الخطر فعليك إذاً توقّع التعرّض لكارثة، وفي برشلونة عانى النادي من كمّ كبير من الكوارث في السنوات الأخيرة، وآخرها خسارة الموهوب الشاب بيرنال، الذي أكّد النادي حاجته للغياب لحوالى عام عن الملاعب، بعد إخضاعه لعمل جراحي في الرباط الصليبي.
كان بيرنال (17 عاماً) أحد أبرز المواهب التي خطفت الأنظار خلال المعسكر الصيفي وبداية الموسم، وقيل أن غوارديولا كان معجباً جداً باللاعب خلال لقاء برشلونة ومانشستر سيتي في أميركا، ثم منحه فليك كل الثقة، ليبدأ الموسم أساسياً، لكن سرعان ما تعرّض لإصابة قوية قد تغيّر مسيرته بالكامل.
ليكون بيرنال قد سار بذلك على ذات درب أنسو فاتي، الذي تحوّل من موهبة يتمّ وصفها بخليفة ميسي، إلى لاعب بديل في برايتون الموسم الماضي بسبب غيابه الطويل نتيجة تمزق في الغضروف تبعتها إصابتان قويتان في العضلة الخلفية للفخذ، وهي ذات العضلة التي عانى بيدري من الإصابة فيها 6 مرّات رغم أنه ما زال بسن 21 عاماً فقط! أما غافي فما زال غائباً من الموسم الماضي بسبب تمزق بالرباط الصليبي.
لو نظرنا لهذه الإصابات الأربع سنجد أنها مرتبطة بالعضلات أو الأربطة، ومن خلال مقال نشرته الأكاديمية الأميركية لجراحي العظام يمكن فهم أسباب هذه الإصابات أكثر، حيث يشير المقال إلى أن العظام تنمو أولاً، لذا تبدأ بالضغط على العضلات والأوتار حين يكون الشخص ما زال في مرحلة النمو، مع الإشارة إلى أن هذا النمط غير المتساوي من النمو يجعل الرياضيين الأصغر سناً أكثر عرضة للإصابات العضلية والأوتار والغضاريف التي يؤدي تعريضها إلى جهد متكرّر إلى تعطيل نموها والتأثير حتى على النمو الطبيعي للعظام.
يرى المقال أيضاً، أن لاعبي الجيل الحالي أكثر عرضة للإصابات بصغرهم من الأجيال السابقة، ومن خلال البحث تبين أن هذه المشكلة مرتبطة بالتخصص، ففي الوقت الذي يرى فيه الكثيرون أن تدعيم التخصص لدى الشاب ودفعه للتركيز على رياضة معينة سيساعده في التطور، فإن العلم لا يرى ذلك! وبحسب المقال، فإن ممارسة ذات الرياضة بشكل مستمر يعني أن الإجهاد يتمّ على عضلات وأجزاء معينة من الجسم فقط دون غيرها، مما يزيد من حالة عدم التوازن ويجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة.
يتفق المعد البدني السابق لريال مدريد خوسيه لويس سان مارتن مع أنصار النظرية التي تتحدث عن خطورة مشاركة اللاعبين الشبان لوقت طويل، ويؤيد ما طرحته الأكاديمية حول خطورة إخضاع اللاعبين الشبان لمتطلبات التدريب والروزنامة المكثفة. وفي تصريح نشرته صحيفة "ريكورد" خلال شهر آذار (مارس) الماضي قال سان مارتين: "الكثافة العالية لمباريات النخبة التي يجري فيها اللاعب لمسافة تتراوح بين 10 إلى 13 كيلومتراً، وبسرعة قد تصل إلى 36 أو 37 كيلومتراً بالساعة، تؤثر على هؤلاء اللاعبين الشبان الذين لا يتمتعون بالبنية البدنية اللازمة لتحمّل ضغط رياضة مثل كرة القدم، والتي تحتاج لمزيد من توزيع الجهد على الفريق".
ويتابع المدرب: "نظراً لصغر سنهم، فإن نظم القلب والأوعية الدموية لديهم لم تتكيّف بعد مع لعب المباريات المتتالية، والعضلات غير قادرة على امتصاص تبعات عمليات التوقف والقفز والتسارع وتغيير الاتجاه بالكرة ودونها، من دون التعرّض لخطر الإصابة".
ويقول سان مارتن: "إن أردنا الاستمتاع بمواهب كرة القدم، فيجب علينا حمايتها جسدياً وذهنياً، لا يجب أن نتعجل ظهورهم بين النخبة وأن يلعبوا قل إكمال إعدادهم البدني".
هذا التصريح يجعلنا قادرين بشكل مباشر على فهم الأسباب التي جعلت بيدري عرضة للإصابات المتتالية، ومن الملفت أن الموقع الرسمي للنادي ذاته كان قد تغنى بمشاركة اللاعب في 76 مباراة، مع النادي والمنتخب، خلال موسم 2020\2021 لكن اللاعب ما زال يدفع ثمن ذلك العدد الهائل من المشاركات حتى الآن، وقد يضطر لأن يدفع المزيد في السنوات المقبلة، وحتى غافي كان قد تعرّض للإصابة خلال مشاركته في المباراة رقم 27 على التوالي أساسياً، دون أن يلتفت تشافي وكادره لضرورة إراحته.
يدرك برشلونة أن تأهيل المواهب من الناحية البدنية يمثل أيضاً جزءاً مهمّاً من المشكلة، وهو ما دفع النادي لدراسة خطة جديدة في نيسان (أبريل) الماضي تتضمن تكثيف تمارين الإعداد البدني للاعبين الشبان، وتغيير نظام أكلهم وحياتهم، وزيادة كمية التمارين الفردية لكل لاعب، بما يساعد في نموه بشكل متوازن وسليم ويقلّل من مخاطر القضاء على نجوميته مبكراً.
يرى الكثير من المدربين أن إشراك المواهب اللامعة بعمر صغير مفيد لتكوين خبرة اللعب بين الكبار لديهم، لكن شبكة "إي إس بي إن" ردّت بالدلائل على هذه المعتقدات. ففي العام الماضي قامت بنشر جدول للاعبين الذين تخطّوا عمر 30 عاماً حالياً، ورتبتهم بحسب الأكثر لعباً للمباريات والدقائق، حين كان عمرهم أقل من 21 عاماً، وبالحقيقة أظهرت النتائج أن معظمهم، إن لم نقل جميعهم، كانوا إما عرضة للإصابات المتتالية بمسيرتهم، أو خف بريقهم سريعاً.
ويكفي أن نذكر أن إيكر مونياين، أتلتيك بلباو، كان بالمركز الأول بالقائمة، ومن خلفه يوليان دراكسلر ومن بعده أورييه وأومتيتي وغوتزه، وإن كان هناك شيء وحيد يجمع هؤلاء الخمسة فهو العدد الهائل للإصابات التي تعرّضوا لها، والملفت أننا لا نجد في القائمة رونالدو ولا ميسي بقائمة الـ20 الأوائل، بل نجد مثلاً هازارد وفاران وإيسكو، لنرى أن نسبة الناجين من بين هذه القائمة كانت قليلة وترتبط بلاعبين مثل غريزمان وسون ولوكاكو.
يواصل برشلونة سياسة الاعتماد على إشراك اللاعبين الشبان لوقت طويل خلال مبارياته، وهو الحال حالياً مع لامين يامال وباو كوبارسي، لكن يبدو أن الكادر التدريبي بحاجة للتعامل بحذر شديد مع هذه المواهب، لتقليل احتمال خطر تعرّضها لإصابات كبيرة على غرار من سبقها.