هاني سكر
في الجولة الرابعة من الدوري الإنكليزي الممتاز، وبالوقت الذي ما زال فيه الجميع يتحفز بأقصى طاقته لجمع أعلى عدد من النقاط ببداية الموسم، يجلس بيب غوارديولا مع لاعبيه ليخبرهم أن مداورته للقاء برينتفورد ستشمل النجم الأول للفريق رودري، وبرناردو سيلفا الذي يقدم بداية ممتازة للموسم، وروبن دياز، النجم الأول لدفاع الفريق، ويوسكو غفارديول، أحد أهم عناصر الفريق بالموسم الماضي، قد يقول البعض إن المدرب رأى أن اللقاء بالمتناول، لكن أبسط متابع للبريميرليغ يعرف أن هذه المبادئ غير موجودة في إنكلترا خاصة ضد فريق مثل برينتفورد الذي فاز بمباراتين في أول 3 جولات.
بالواقع يمثل هذا جزءاً من مدرسة غوارديولا التدريبية، حين يكون الفريق جاهزاً والغيابات قليلة، يذهب المدرب لاستخدام أكبر عدد ممكن من لاعبيه، وهو الشيء الذي يمنح أسماء مثل ريكو لويس وبوب فرصاً للمشاركة رغم ما يقال دائماً عن أن سيتي يملك فريقين جاهزين دون الحاجة لأبناء النادي، ومؤخراً أصبح لويس لاعباً لمنتخب إنكلترا ليلقى إشادة من مدربه الإسباني الذي وصفه بأنه من النوع النادر الذي تبحث عنه لسنوات، مشيداً بقدرته على أن "تجده حراً بأي وقت وجاهزاً لاستقبال تمريرة زميله ولا تعرف كيف يفعل ذلك".
يصدف أن يحدث ذلك بالوقت الذي كان فيه ليفربول يشرك التشكيلة ذاتها للمباراة الثالثة على التوالي بحثاً عن مواصلة الانتصارات، لأن الريدز حاله حال أرسنال والباقين يدرك أهمية بدء الموسم مثالياً، فهذه البداية المثالية كانت بالسباق المفتاح الوحيد الذي يسمح للفريق بمقاومة قوة سيتي خلال مرحلة الإياب حين يبدأ بيب بحصد النقاط دون توقف ليحبط خصمه ويحقق اللقب بالنهاية، ولو أن هذه المرة يبدو أن الأمر أصبح صعباً لأن بيب بدأ الموسم مثالياً وربما قتل المنافسة قبل أن تولد، فأمام برينتفورد كانت المداورة هي هدف بيب الأساسي من اللقاء حتى لو غامر بطريقه نحو الانتصارات، لكن القوة هي أن تداور وتنتصر بالوقت الذي يشرك فيه خصومك نجومهم ولا ينجحون بتحقيق ذلك، وبالتأكيد تبدو الأسباب أبعد من أن نشرحها بقرارات يومية فالاستقرار الموجود في سيتي جعل أي نادٍ يدرك صعوبة منافسة منظومة غوارديولا ما دام المدرب الموجود في السماوي.
بعد 8 سنوات في مانشستر سيتي بات من الواضح أن أفكار غوارديولا باتت تنتشر بسهولة لدى جميع لاعبي النادي، والأسلوب بات واضحاً للجميع، لذا حتى حين تقوم بمداورة واسعة فإن نظام اللعب قادر على حماية الأفراد الملتزمين بالمرونة التكتيكية الكبيرة والعارفين بدور كل منهم بالملعب، وهذه الأشياء التي تدفع بيب لاختيار لاعبين يملكون سوية ذهنية عالية لاستقدامهم، لأن هذه هي الناحية الأهم كي لا تتسبب بضياع أسلوب اللعب.
يرى البعض أن مانشستر سيتي يدفع الكثير من المال لاستقدام لاعبين بسوية عالية، لكن حين تريد خلق الفريق الأمتع بالعالم والأكثر قوة تكتيكياً فأنت بحاجة للاعبين أذكياء قادرين على فهم أن المدافع هنا سيلعب أدواراً أكثر من التي يقوم بها المدافع في فريق آخر، لكن يبقى من الصادم أن هذه العناصر ذاتها تجد الفشل بطريقها حين تعتقد أنها باتت جاهزة للعب دور النجم الأوحد في مكان آخر فتجد أنها تطبعت بالمنظومة لحد لا يجعلها قادرة على الاستمرار بدونها.
لذا يمكن القول إن هذه المدرسة الداخل إليها مولود والخارج مفقود، فإذا ما استثنينا كول بالمر فإن جميع اللاعبين الآخرين الذين خرجوا من سيتي لم يجدوا ما كانوا يتخيلونه بالعالم الخارجي، وآخرهم ربما غندوغان الذي رغم تقديمه مستوى مميزاً في برشلونة الموسم الماضي، إلا أنه وجد نفسه بطريق العودة حين فتح له بارسا الباب لأن غوارديولا كان يعرف طوال الوقت أن "غوندو" ليس من نوعية اللاعبين التي يرغب بافتقادها، بالوقت الذي بدا فيه بالنسبة للبارسا أن اللاعب يمثل عبئاً اقتصادياً عليه.
قبل سنتين ذهب غابرييل جيسوس وزينتشينكو، وسرعان ما بدا أن اثنين من تلاميذ المدرسة "الغوارديولية" قد ذهبا لإنشاء فريق منافس ناقلين معهما الكثير من التحركات المميزة التي منحت المدفعجية المرونة بالملعب، مع وجود أرتيتا الذي عمل سابقاً مساعداً لبيب، لكن تماماً كما يحدث بالطالب الذي تنقله من مدرسة ممتازة لمكان آخر أقل نجاحاً بدأ زينتشينكو وجيسوس بالتراجع تدريجياً وحالياً فقدا مكانهما بالتشكيلة الأساسية للفريق.
اختار كانسيلو أيضاً أن يجابه غوارديولا ويرفض أن يكون واحداً من المنظومة إلى حد دفعه للتذمر حين وضعه المدرب على الدكة، وبعدها اعتقد بايرن وبرشلونة أنهما سيستقطبان النسخة المثالية من الظهير البرتغالي كما كان يظهر بالسيتي، لكن الحال لم تكن بتلك الدقة وعيوب اللاعب كانت كبيرة بالتجربتين ليرجع ويجد أن باب سيتي ما زال موصداً بوجهه.
حال سترلينغ لم تكن أفضل من سابقيه، فبعد بداية جيدة في تشيلسي أيضاً فقد اللاعب الكثير من مستواه ليدفع النادي لإخراجه بأي طريقة ليأخذه أرسنال بصفقة زهيدة مادياً على سبيل الإعارة، ليكون أحد المفقودين الذين لم يجدوا درباً للنجاح بعد الخروج من مانشستر سيتي.
وسط كل هذا، يبدو أن تحقيق الدوري الأصعب بالعالم 4 سنوات متتالية لم يغير من شغف بيب، ولم يوقفه عن التفكير بالمستقبل والخطط والتدريبات المعقدة لبناء منظومة غير قابلة للكسر، وحتى أنه أراد سريعاً إدخال كل لاعبيه بالمنظومة ببداية الموسم كي يكون بأقصى جاهزية للأمتار الأخيرة، والبداية الجديدة هي 4 انتصارات متتالية يظهر بيب فيها أن تحقيق اللقب الخامس قد يكون بطريقة أكثر هدوءاً من الألقاب السابقة.