ضجت المواقع أخيراً بخبر تمكين شركات التكنولوجيا العالمية الكبرى، بما في ذلك "غوغل" و"أبل" و"ديسكورد"، الأشخاص من التسجيل بسرعة وسهولة في مواقع الويب الضارّة (للتعري) والمحتوى الجنسي، والتي تستخدم التقنيات المتطورة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، لإزالة الملابس من الصور الحقيقية وجعل الضحايا يبدون "عراة" من دون موافقتهم. فماذا عن وعود الأمن والخصوصية التي أمّلتنا بها تلك الشركات على مرّ السنين؟
بالفعل، استخدم أكثر من اثني عشر موقعاً من مواقع التزييف العميق حسابات تسجيل الدخول من شركات التكنولوجيا العالمية، إذ وجد تحليل "WIRED" أن 16 موقعاً من أكبر مواقع التزييف العميق والتعري تستخدم البنية الأساسية لتسجيل الدخول من "غوغل" و"أبل" و"ديسكورد"، وكذلك "تويتر" و"باتريون" و"لاين". ويسمح هذا النهج للأشخاص بإنشاء حسابات بسهولة على مواقع التزييف العميق، مما يمنح هذه المواقع بعضاً من المصداقية، قبل أن يولّدوا المحتوى المُفبرك.
أما الروبوتات والمواقع التي تنشئ صوراً مزيّفة للنساء والفتيات فموجودة منذ سنوات، وقد زاد عددها مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وإن هذا النوع من التزييف المسيء منتشر انتشاراً مثيراً للقلق، إذ يُزعم أن الأولاد والمراهقين يصوّرون زملاءهم في المدرسة مثلاً، ويقومون بتعديل صورهم. وهنا يرتفع الصوت الناقد لأداء شركات التكنولوجيا العملاقة، التي كانت بطيئة في التعامل مع هذه القضايا وضررها الاجتماعي والأخلاقي والإنساني، إذ تظهر المواقع الإلكترونية المذكورة في نتائج البحث كثيراً، والإعلانات المدفوعة التي تروج لها على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى التطبيقات التي تظهر في متاجر التطبيقات. وبالتالي، فإن الشركات تسوّق للمواقع وتعمل على الترويج لها، علناً وبوضوح.
أدوات تسجيل الدخول تخترق الخصوصية... معضلة أخلاقيّة على المحك
تسمح أدوات تسجيل الدخول، التي تُنشر من خلال واجهات برمجة التطبيقات وطرق المصادقة الشائعة، للأشخاص باستخدام الحسابات الموجودة للانضمام إلى مواقع الويب المزيّفة. ويتم استخدام أنظمة تسجيل الدخول على الرغم من أن شركات التكنولوجيا لديها قواعد تنص على أنه لا يمكن للمطورين استخدام خدماتها بطرق من شأنها أن تلحق الأذى بخصوصية الأشخاص، أو أن تضايقهم.
في هذا السياق، يعلّق آدم دودج، المحامي ومؤسس "EndTAB"، بأن "هذا استمرار لاتجاه يجعل من العنف الجنسي ضد النساء والفتيات أمراً طبيعياً من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى".
وبالفعل، تعتبر هذه الظاهرة من أخطر التهديدات التي تواجه مستخدمي الإنترنت، إذ تبرز المعضلة الأخلاقية في استغلال مواقع الويب الضارة ثقة المستخدمين في شركات التكنولوجيا الكبرى، التي يجب أن تكون مرجعية، بهدف الوصول إلى البيانات الشخصية الحساسة.
خطر التزييف العميق على المراهقين خاصةً
أولاً، يمكن أن يستخدم المتنمرون مواقع التعري والتزييف العميق لإنشاء محتوى مسيء أو مضلّل، أو إنشاء مقاطع فيديو مفبركة ذات محتوى جنسي غير لائق يظهر فيه المراهقون، خصوصاً الفتيات، مما يؤدي إلى عواقب نفسية واجتماعية وخيمة وتشويه لسمعة الضحية.
كذلك، فإن رؤية مقاطع مزيفة تُستخدم للتلاعب أو للإساءة يمكن أن تؤدي إلى مشكلات نفسية لدى المراهقين، مثل القلق والاكتئاب، إذ يشعر المراهقون بالانتهاك حول كيفية تأثير هذه المقاطع على حياتهم الاجتماعية والمدرسية؛ وبالتالي ستؤثر سلباً على أداء المراهقين الأكاديمي أو المهني.
كذلك، إذا تم التلاعب بمحتوى يُظهر المراهقين بطريقة سلبية أو غير لائقة، قد يشعرون بفقدان الثقة في النفس، وبعدم الأمان. ويلجأ المجرمون الإلكترونيون عادةً إلى استخدام التزييف العميق لابتزاز المراهقين، مادياً أو معنوياً. وفي بعض الحالات، قد يشعر المراهقون بالضغط الاجتماعي أو الإكراه ليظهروا بطريقة معينة أو ليشاركوا في سلوكيات غير لائقة نتيجةً لمحتوى مزيف.
كيف تجاوزت "ميتا" و"غوغل" قواعدها؟
في ظل الجدل المستمر في القضايا التي تتعلق بالأخلاق والخصوصية، كانت حملة إعلانية، نفذتها شركتا "ميتا" و"غوغل"، قد أثارت الكثير من التساؤلات. وكانت الحملة قد نُفّذت على منصة "يوتيوب"، حيث تم استهداف المراهقين بإعلانات من "إنستغرام". وهنا تُثار من جديد قضية مدى مسؤولية الشركات الكبيرة تجاه الجمهور الذي تستهدفه.
بالطبع، تتناقض هذه الخطوة مباشرة مع قواعد "غوغل" الخاصة، التي تحظر الإعلان للأطفال ما دون الـ 18 عاماً. وكانت إعلانات الحملة موجهة إلى فئة مُصنّفة بأنها "غير معروفة" في نظام إعلانات "غوغل"، وهي فئة من المفترض أن تمثل المستخدمين الذين لم يتم تحديد أعمارهم أو جنسهم أو غير ذلك.
ومع ذلك، فإن "غوغل" يمكن أن تلجأ إلى بيانات التطبيقات والنشاط عبر الإنترنت للتخمين بدقة عالية أن هؤلاء المستخدمين "غير المعروفين" كانوا في الواقع مراهقين.
ختاماً، تواجه الشركات التكنولوجية الكبرى في أغلب الأحيان انتقادات حادة بسبب تجاوزها الحدود الأخلاقية والتشريعية في سعيها لتحقيق أهدافها التجارية وتعزيز نفوذها، إذ يبرز التناقض الواضح بين ادعاءات شركات التكنولوجيا الكبرى بالالتزام بخصوصية المستخدمين وأمانهم، وممارساتها الفعلية. وتثير هذه القضايا دوماً تساؤلات جديّة ومشروعة حول المدى الذي قد تصل إليه شركات التكنولوجيا العملاقة في سعيها المتواصل للحفاظ على نفوذها وقوتها وامتدادها وإيراداتها على حساب خصوصية الأفراد وأمانهم، أي التوازن بين الابتكار وحماية حقوق الأفراد.