تترقّب شركات التكنولوجيا الكبرى نتائج عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية. ومع تزايد التوترات بين شركات التكنولوجيا والإدارة الديموقراطية خلال السنوات الماضية، التي شهدت حملات رقابية وإجراءات صارمة تتعلق بمكافحة الاحتكار، يرى العديد من قادة تلك الشركات في فوز ترامب فرصة لفتح آفاق جديدة في القطاع، حيث قد يستفيدون من سياسات أكثر ملاءمة للأعمال.
في خطوة غير مسبوقة، عبّر الرؤساء التنفيذيون لأمازون و"آبل" و"غوغل" و"ميتا" و"مايكروسوفت" عن دعمهم لترامب علنًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشروا تهانيهم بانتخابه، في مشهد مختلف عن موقفهم المتحفظ في انتخابات 2016 و2020. وكان إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" و"سبايس إكس"، أحد أبرز داعمي ترامب، والذي لعب دور حلقة الوصل بين ترامب وقطاع التكنولوجيا، بعد أن ضخ أكثر من 100 مليون دولار لدعمه.
عودة الزخم للصفقات التجارية
يتوقّع الخبراء أن تؤدي عودة ترامب إلى الرئاسة إلى إعادة إحياء صفقات الاستحواذ والاندماج التي توقفت بسبب السياسات الصارمة لإدارة بايدن. لقد أدّى تخوف شركات التكنولوجيا من رفض الصفقات إلى تجنّبها الاستحواذ المباشر على الشركات الناشئة، وبدلاً من ذلك لجأت إلى توظيف مؤسسيها أو الاستفادة من تقنياتها من خلال اتفاقيات ترخيص.
وكانت أبرز العقبات أمام تلك الصفقات هي الجهود التي تقودها لينا خان، رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية، وجوناثان كانتر، رئيس قسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل. ومن المتوقع أن تفتح الأسواق المالية الأميركيّة أبوابها أمام موجة جديدة من الاستثمارات مع ارتفاع الدولار وأسعار الأسهم.
التخفيف من تحقيقات مكافحة الاحتكار
مع إعادة انتخاب ترامب، قد تتراجع التحقيقات المتعلقة بمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة وأوروبا. حيث عبّر تيم كوك، الرئيس التنفيذي لآبل، عن تطلعه للتعاون مع ترامب، خاصة أن كوك كان إحدى الشخصيات التي دعمت حملة هيلاري كلينتون في 2016، لكنه تمكّن من إقامة علاقة إيجابية مع ترامب خلال ولايته الأولى.
وكانت خان وكانتر قد قادا حملة نشطة لمواجهة هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث حققت وزارة العدل انتصاراً تاريخياً في قضية الاحتكار ضدّ "غوغل". لكن العديد من المحلّلين يتوقعون أن تختفي هذه التحدّيات التنظيمية تدريجياً مع توجّه ترامب نحو تخفيف القيود، خصوصاً بعد تصريحاته الرافضة للقيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على شركات التكنولوجيا الأميركيّة.
مخاوف من الرقابة
تحاول شركات التواصل الاجتماعي تجنّب استهداف ترامب، الذي انتقدها علناً بسبب ممارسات الرقابة المفترضة على الخطاب المحافظ. وقد تعهّد ترامب بفرض سياسات تحدّ من تعاون الوكالات الفيدرالية مع منصات التواصل الاجتماعي في حالات الرقابة، كما تعهّد بوقف التمويل عن الجامعات التي تدعم الرقابة.
وفي سياق متصل، كتب مارك زوكربيرغ، رئيس شركة "ميتا"، تهنئة لترامب على فوزه، مؤكّداً على تطلعه للعمل معه، فيما يبدو خطوة تهدف إلى الحفاظ على علاقة جيدة مع الرئيس الجديد.
التوجّه المستقبلي للذكاء الاصطناعي
يُعدّ مجال الذكاء الاصطناعي من أهم القضايا التي تثير نقاشاً كبيراً بين شركات التكنولوجيا، حيث لم يحدد ترامب بعد استراتيجيته تجاه الذكاء الاصطناعي، إلّا أن البعض يتوقع اتباعه نهجاً أقل تقييداً. وخلال ولايته الأولى، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً يدعو إلى تعزيز ريادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن اللوائح التنظيمية الصارمة قد تعرقل الابتكار.
من جانبه، يشارك ماسك ترامب في الرغبة في تعزيز ريادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يرى أن السباق التكنولوجي ضدّ الصين ضروري. ويسعى ماسك لتطوير شركته الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي "xAI" بعد أن أسسها عقب مغادرته لشركة "أوبن إيه آي" التي كان من مؤسسيها.
نظرة مستقبلية
في ظل إدارة ترامب، قد تجد شركات التكنولوجيا الكبرى مناخاً أكثر ملاءمة لتعزيز نموها وإبرام صفقات كبرى، مع تخفيف القيود التنظيمية ومكافحة الاحتكار. وعلى الرغم من تعقيد العلاقة بين ترامب وقطاع التكنولوجيا، إلّا أن اللاعبين الرئيسيين في وادي السيليكون يسعون الآن للاستفادة من هذه الفرصة، مما يضعهم في موقف متقدم للاستفادة من السياسات القادمة.