صورة تعبيرية
في حالات الجرائم، يعتمد تحقيق العدالة على دقة أقوال شهود العيان الذين يُعتبرون أحياناً العمود الفقري للعديد من القضايا. ومع ذلك، لا يخلو هذا النوع من الشهادات من التحدّيات، فالذاكرة البشرية تخضع للتشويه والتحيّز. واحدة من الظواهر التي تؤثر على تقييم موثوقية الشهادة هي ما يُعرف بـ"تأثير التبرير المميز"، حيث يُنظر إلى الشهادات التي تقدّم أوصافاً مفصّلة للملامح بقدر أقل من الثقة مقارنة بالشهادات العامة، ما قد يؤدي إلى استبعاد شهادات قيّمة أو الاعتماد على أخرى خاطئة. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي كأداة واعدة في تحسين دقة التعرف إلى شهود العيان.
الذكاء الاصطناعي: شريك في تحرّي الدّقة
عند وقوع جريمة، يستعين المحققون بشهود لتحديد هوية المشتبه فيه. وفي هذه اللحظة، قد يكون الذكاء الاصطناعي أداة فعّالة، من خلال تحليل أقوال الشهود بشكل محايد دون تأثر بالتحيّزات البشرية. عبر تقنيات مثل معالجة اللغة الطبيعية (NLP)، يمكن للنظام تقييم اللغة المستخدمة من قِبل الشهود وتقديم مؤشرات إلى موثوقيتها بناءً على معايير موضوعية. إضافةً إلى ذلك، يستطيع الذكاء الاصطناعي منح "درجات رقمية" تعبّر عن احتمال دقة كل شهادة، مما يساعد المحققين في التركيز على البيانات الأكثر صدقية.
دراسة حديثة نشرتها Journal of Applied Research in Memory and Cognition، شارك فيها ديفيد دوبولي، أستاذ مساعد في القيادة التنظيمية وتحليلات المعلومات في كلية ليدز للأعمال، سلّطت الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في تقييم أقوال الشهود، مؤكّدةً على دوره في تخفيف التحيّزات وتحسين القرارات القانونية. يقول دوبولي: "كان التحليل التقليدي أساسياً ومقتصراً على احتساب الكلمات، لكن التطورات في الذكاء الاصطناعي مكّنتنا من التعامل مع البيانات بأسلوب أكثر تعقيداً ودقة".
تحليل البيانات: بين ثقة الشهود وموثوقية الذكاء الاصطناعي
قاد الدراسة لورين كيلسو من جامعة فيرجينيا بالتعاون مع علماء نفس آخرين، بهدف فهم دور الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة شهادات شهود العيان. شملت الدراسة 1010 مشاركين تمّ تقسيمهم إلى 4 مجموعات، قُدّمت لبعضها مساعدة من الذكاء الاصطناعي عبر تنبؤات حول دقة التعرفات وشروحات رسومية، فيما لم تتلقَ المجموعة الأخرى أي دعم. وجد الباحثون أن الذكاء الاصطناعي قلّل من التحيّزات لدى المشاركين الذين وجدوا مساعدة الذكاء الاصطناعي مفيدة، حيث تمكنوا من تقييم دقة الشهادات السماتية والتعرفية بنزاهة أكبر، بينما استمر المشاركون الذين لم يستفيدوا من مساعدة الذكاء الاصطناعي في إظهار التحيّز.
لكن، رغم النتائج الإيجابية، يُحذّر دوبولي من الاعتماد الأعمى على الذكاء الاصطناعي في القرارات القانونية، مشدّداً على أهمية الشفافية في الآليات التي يعتمدها الذكاء الاصطناعي لتقديم توصياته. وأوضح قائلاً: "من المهمّ أن نفهم الأسباب وراء توصيات الذكاء الاصطناعي، خصوصاً في المواقف ذات المخاطر العالية مثل شهادات شهود العيان".
الذكاء الاصطناعي كوسيلة لتعزيز العدالة
بينما يستمر البحث في استكشاف قدرات الذكاء الاصطناعي في السياقات القانونية، تبقى الغاية الأسمى هي تحقيق العدالة عبر أدوات تساعد في تقديم قرارات أقل تحيّزاً وأكثر دقة. إن مستقبل الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته فرصاً هائلة لتعزيز صدقية الشهادات وتقليل التحيّزات، لكن الطريق لا يزال يتطلب رقابة صارمة وشفافية لضمان أن تكون هذه التكنولوجيا وسيلة تعزز من نزاهة العدالة، لا أن تحلّ محلها.