النهار

كيف غيّر الذكاء الاصطناعي أساليب البحث وأعاد تشكيل طرق الاكتشاف المعرفي؟
المصدر: النهار
الذكاء الاصطناعي التوليدي يعزز طرق البحث، يسهم في تسريع الإنتاجية، ويوفر حلولاً مخصصة للقطاعات الخاصة والعامة، مما يعيد تشكيل التجربة البحثية.
كيف غيّر الذكاء الاصطناعي أساليب البحث وأعاد تشكيل طرق الاكتشاف المعرفي؟
صورة تعبيرية
A+   A-

باريس - أنيس حجار

 

في إحدى المقابلات الصحفية، سأل محرر صحيفة "The Post" المخترع الشهير توماس إديسون، بعد نجاحه في اختراع المصباح الكهربائي، قائلاً: "هل تعتقد أن عصر الاختراعات قد انتهى؟". فأجابه إديسون بحماس: "بل إن عصر الاختراعات لم يبدأ بعد… وما سيأتي سيكون أعظم بكثير ويمتد ليشمل كل المجالات".

كان إديسون يشير  إلى أن الابتكارات تتراكم وتُبنى على إنجازات سابقة، تماماً كما تتضاعف العوائد في الاستثمار. وهذا ما نشهده اليوم بوضوح في تطور تقنيات البحث؛ حيث أحدثت تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي تحولاً جذرياً في مشهد البحث عبر مختلف المستويات، سواء على مستوى المؤسسات أو الحكومات أو حتى الأفراد.
وتجدر الإشارة هنا إلى التوقعات التي تشير إلى أن سوق أدوات الاكتشاف المعرفي والبحث عن المعلومات سيتجاوز حجمه 21 مليار دولار بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي يقارب 27% من عام 2024 حتى 2028، وفقاً لتقارير IDC.



التحول في بيئة الأعمال


مع صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي، بات تسريع استخراج المعلومات وبناء الاستنتاجات أمراً حيوياً للشركات التي تعمل في الاقتصاد المعرفي. تخيّل شركة مالية تدير أصول المستثمرين، وكيف يمكن لمحلل مالي أن يحسن إنتاجيته عبر تلقّي ملخصات فورية للتقارير المالية المعقّدة، أو محامٍ يوفّر ساعات من العمل بفضل أداة تلخّص له العقود القانونية. بل وأكثر من ذلك، فكّر في شركات الأدوية التي يمكنها تسريع اكتشاف أدوية جديدة بفضل هذه الأدوات الذكية. إنها ثورة حقيقية في تعزيز الإنتاجية وتحقيق الإنجازات بكفاءة أكبر.

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي محور نقاشات أقسام التكنولوجيا والمعلومات في الشركات الكبيرة والمتوسطة. ووفقاً لتقارير "مايكروسوفت"، فإن المدير في شركة لإدارة الأصول المالية يمكنه توفير ما يصل إلى 6 ساعات و15 دقيقة أسبوعياً عند دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في مهام متعددة مثل "Copilot" في Outlook وPowerPoint وTeams وWord.


ظهرت العديد من الشركات المتخصصة التي تقدم حلولًا موجّهة إلى قطاعات معينة، مثل "Microsoft Copilot" و"Google Gemini". على سبيل المثال، بدأت شركة "Hebbia" بتطوير أدوات للقطاع المالي ثم توسعت لاحقاً إلى المجال القانوني، في حين اتبعت شركة "Glean" نهجاً مشابهاً.

 

بعض الشركات الكبرى، مثل "Permira" للاستثمارات العالمية، اختارت تطوير أدواتها داخلياً لأسباب تتعلق بسرّية المعلومات والتعلّم السريع للتكنولوجيا الجديدة. وكما ذكر "ديفيد فلويد"، نائب الرئيس في Permira، في التقرير التكنولوجي لعام 2024: "قرّرنا بناء الأداة داخلياً للتعلم السريع، ونشرها بمرونة، وتجنّب الاعتماد على مزود واحد.".

 

التطوير الرقمي الحكومي


أهمية هذه الأدوات تتجلّى بشكل كبير في الحكومات، حيث يمكنها تسريع إجراءات المعاملات الرسمية وزيادة إنتاجية موظفي القطاع العام، مما يتيح وقتاً أكبر لتحسين خدمة المواطنين. وتظهر الحاجة لهذه التقنيات، خصوصاً في ظل التحدّيات التي تواجهها الحكومات في التعامل مع الكمّ الهائل من البيانات والمعلومات التي تحتاج إلى معالجتها.

تماماً كما في القطاع الخاص، بدأت شركات ناشئة بتطوير أدوات تلبّي احتياجات الحكومات، مع التركيز على معايير السرّية المعلوماتية وتجاوز المخاطر السيادية المرتبطة بتخزين البيانات واستخدامها. على سبيل المثال، تتطلّب اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي من الشركات الالتزام بمستويات عالية من حماية البيانات، وهذا يمثل تحدّياً وفرصة في الوقت ذاته لتطوير حلول مخصصة.



تغيير تجربة الأفراد


لم تعد طرق البحث عن المعلومات كما كانت في السابق. كنا نستخدم "غوغل" للبحث عن المعلومات، حتى أن كلمة "Google it" أصبحت فعلاً في اللغة الإنكليزية. اليوم، نجد أن الكثير من المستخدمين يعتمدون على أدوات جديدة، حيث أصبحت الصفحات الرئيسية في محركات البحث تشمل "شات جي بي تي"  و"Perplexity.ai" وغيرها من الأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي.

 

تشير الإحصائيات إلى أن شعبية أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تتجاوز شعبية محركات البحث التقليدية، وهذا واضح من خلال مؤشرات "Google Trends" حيث يتفوق "شات جي بي تي" على "غوغل" . ومثال حي على هذا التطور، نجد أن شركة "Perplexity.ai" التي أسسها الهندي الأميركيّ "أرافيند سرينيفاس" والبيلاروسي "دينيس ياراتس" في كاليفورنيا في آب (أغسطس) 2022، تجاوزت 56 مليون زائر في آذار (مارس) 2024.

 

ويتميز محرّك "Perplexity" بواجهة حوارية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مع وعي بالسياق وقدرة على تخصيص الاهتمامات والتفضيلات بناءً على تعلمها بمرور الوقت. وكما أوضح المؤسسون، فإن مهمتهم تتمثل في توفير تجربة بحث تبدو وكأن لديك مساعداً مختصاً يرشدك، دون الحاجة للنقر على روابط متعددة أو البحث المستمر عن المعلومات.

 

مستقبل أدوات البحث


 في المحصلة، من الواضح أن الذكاء الاصطناعي التوليدي وأدوات البحث الحديثة لا تزال في مراحل التطور والنمو، ومع ذلك فإنها تُحدث تغييراً جذرياً في كيفية البحث واستخراج المعلومات. ومن الضروري أن نتعلم ونتقن استخدام هذه الأدوات، لأنها ستكون عاملًا حاسماً في تشكيل مستقبلنا.

كما أشار "إيمانويل بافيار"، مستشار لدى "مايكروسوفت" في قطاع الخدمات المالية، في إحدى حلقات النقاش التي نظّمها خريجو HEC Paris: "كما أبرزت مؤسسة غارتنر، لن يحل الناس محل بعضهم البعض في سوق العمل، ولكن الأشخاص الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي بالتأكيد سيحلّون محل أولئك الذين لا يستخدمونه".

 

في النهاية، يظل الذكاء الاصطناعي التوليدي فرصة كبيرة لتحقيق مكاسب هائلة في مختلف المجالات، ولكنه يتطلب منا الاستعداد وتطوير مهاراتنا حتى نكون جزءاً من هذا التحول الكبير.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium