تتسارع خطوات الحكومات حول العالم نحو وضع قيود على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية بين المراهقين، وسط تصاعد جدل علمي حول تأثيراتها الفعلية على صحتهم النفسية. ففي الوقت الذي تتجه فيه دول مثل أوستراليا وأركنساس لفرض هذه القيود، يشهد المجتمع العلمي تبايناً حاداً في الآراء حول ما إذا كانت هذه التقنيات تسبب بالفعل زيادة في معدلات القلق والاكتئاب بين الشباب.
بداية الجدل
اشتعل الجدل في آذار (مارس) بعد صدور كتاب عالم النفس الاجتماعي جوناثان هايدت بعنوان "جيل القلق"، إذ أشار فيه إلى ارتباط ظهور الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي بزيادة الاضطرابات النفسية بين الشباب خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة. لكن كتاب هايدت لم يمر دون انتقادات، فقد وصفت عالمة النفس كانديس أودجرز من جامعة ديوك الكتاب بأنه يعتمد على ارتباطات دون إثبات وجود علاقة سببية بين وسائل التواصل وتلك النتائج النفسية.
الردود والردود المضادة
رد هايدت في نيسان (أبريل) مشيراً إلى دراسات تجريبية حديثة تدعم نظريته، إذ أظهرت بعض النتائج تحسناً لدى المشاركين الذين قللوا من استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي. في المقابل، قدم عالم النفس كريستوفر فيرغسون من جامعة ستتسون دراسة تحليلية شاملة في مايو شملت تجارب متعددة، وخلصت إلى أن تقليل استخدام وسائل التواصل لم يظهر تأثيراً يُذكر على الصحة النفسية.
لاحقاً، في آب (أغسطس)، نشر هايدت وزميله زاك راوش مقالاً يصف أساليب تحليل فيرغسون بأنها غير دقيقة، مقترحين طريقة تحليلية مختلفة أظهرت تأثيراً سلبياً لوسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية. لكن ماثيو جين، الباحث في هذا المجال، عاد بدوره ليؤكد وجود مشاكل في التحليلات المختلفة من الطرفين، مشيراً إلى أن الأدلة الحالية ما زالت غير حاسمة.
تحديات البحث العلمي في الموضوع
التجارب التي سعت للتحقق من تأثير تقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي جاءت بنتائج متباينة، فبعض الدراسات أظهرت تحسناً طفيفاً في مستويات الاكتئاب والقلق، بينما لم تظهر أخرى أي تغيّر ملحوظ. ولفهم أسباب هذا التباين، يوضح الباحثون أن هذه الدراسات تعاني من قيود عديدة، إذ إن غالبية التجارب تعتمد على استبيانات ذاتية يتأثر المشاركون فيها بتوقعاتهم ومعرفة أنهم جزء من تجربة علمية، كما أن معظمها يركّز على منصات محددة ولا يعكس الاستخدام المتنوع لوسائل التواصل المختلفة.
أحد الأمثلة التي توضح هذه التحديات هو دراسة ألمانية شملت مستخدمي "فايسبوك"، طُلب من بعض المشاركين تقليل استخدامهم للمنصة لفترة قصيرة، ولم يتمكن الباحثون من رصد تأثير كبير على مستوى الاكتئاب أو الرضا العام عن الحياة. كما أجريت تجربة أخرى على مجموعة من طلاب الجامعات طُلب منهم تحديد استخدامهم لعدة منصات بحد أقصى عشر دقائق يومياً، ولكن النتائج النهائية أظهرت فقط انخفاضاً طفيفاً في مستوى الشعور بالوحدة.
غياب دراسات تشمل المراهقين
من ناحية أخرى، أظهرت التحليلات الحالية أن هناك نقصاً في الأبحاث التي تتناول تأثير استخدام وسائل التواصل على المراهقين تحديداً، وهم الفئة المستهدفة الرئيسية للقيود الحكومية المقترحة. بمعنى آخر، لا توجد حتى الآن أدلة علمية قوية تثبت أن تقليل استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يحسن من صحتهم النفسية.
خلاصة: تساؤلات مفتوحة وإجابات غير حاسمة
إلى اليوم، لم يتمكن الباحثون من الإجابة بشكل قاطع عن تأثير تقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للمراهقين. وبينما تستمر الدراسات والبحوث، يبقى السؤال الأساسي حول علاقة وسائل التواصل الاجتماعي بالصحة النفسية للمراهقين معلقاً، وسط ضغوط حكومية تدفع باتجاه فرض قيود تعتمد على أدلة ما زالت قيد النقاش.