في إحدى الليالي، تمّ فكّ البراغي التي تثبت توربين رياح عملاقاً في جزيرة سردينيا الإيطالية، في حادثة تخريب ترمز إلى المعارضة الشديدة للطاقة المتجدّدة في هذه الجزيرة. تم اكتشاف البراغي المفككة قبل أن يسقط التوربين بالقرب من قرية مامويادا، ولكن هذا الحدث لم يكن الوحيد من نوعه، فقد تعرضت محطات أخرى عدّة للتخريب خلال العام الحاليّ، بينما تعمل السلطات المحلية على وضع قواعد تحدّد أماكن إنشاء مشاريع الطاقة النظيفة.
مخاوف السكان من استغلال الجزيرة
تعتبر سردينيا بمناخها الصيفيّ الطويل ورياحها القوية موقعاً مثالياً لتطوير مشاريع الطاقة المتجدّدة. ومع ذلك، أثار الاهتمام الكبير من المستثمرين قلق السكان المحليين، الذين يرون أنّ جزيرتهم تُستغل دون مراعاة لخصوصيتها الثقافية والطبيعية. تقول مارتا باتاليا، رئيسة منظمة "ليغامبينتي" البيئية في سردينيا: "هناك رفض عاطفي عميق للطاقة المتجدّدة. يُنظر إليها على أنّها تهدّد هويتنا وتشوّه المناظر الطبيعية."
التغيّرات المناخية تهدّد الجزيرة
بينما يعارض السكان مشاريع الطاقة المتجدّدة، تتعرّض سردينيا لتأثيرات قاسية من التغيّر المناخي، حيث أصبحت المناطق الداخلية القاحلة عرضة للجفاف وحرائق الصيف المدمّرة التي تجتاح غاباتها، مرسلة أعمدة الدخان فوق شواطئها ذات الرمال البيضاء. كما أنّ الجزيرة تُعتبر من بين أكثر المناطق الإيطالية إصداراً للغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، حيث يعتمد إنتاج الكهرباء بشكل كبير على الفحم.
تحول الطاقة والصدام السياسيّ
مع التزام إيطاليا بالتخلّص من محطات توليد الطاقة باستخدام الفحم في حلول عام 2028، أصبحت سردينيا في قلب الجدل حول كيفية تحقيق التحوّل إلى الطاقة النظيفة. انتُخبت رئيسة الإقليم، أليساندرا توددي، في شباط (فبراير) الماضي ببرنامج انتخابي يعارض ما وصفته بـ"غزو" الطاقة المتجدّدة، وسط زيادة كبيرة في طلبات التراخيص لمشاريع جديدة.
تقول توددي إن الشركات الكبرى تسعى لبناء محطات ضخمة تنتج كهرباء تفوق احتياجات الجزيرة، ليتمّ تصدير الفائض إلى بقية أنحاء إيطاليا. ومع ذلك، فإنّ الوصول إلى أهداف الاتّحاد الأوروبيّ لمكافحة التغيّر المناخيّ يتطلب إضافة 6.2 جيجاوات من الطاقة المتجددة إلى الشبكة في حلول عام 2030، ما يعني بناء محطات كبيرة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ردود فعل متباينة
في تموز (يوليو)، أصدرت توددي قراراً بوقف مشاريع الطاقة المتجددة لمدة 18 شهراَ، بما في ذلك تلك التي تمت الموافقة عليها ولم يبدأ تنفيذها بعد. ولكنّ هذه الخطوة أثارت الجدل، حيث أعلن الحكومة الوطنية عن نيتها الطعن في القرار قضائياً.
وفي أيلول (سبتمبر)، طرحت توددي إطاراً قانونياً جديدًا للطاقة المتجددة يُتوقع أن يصبح قانوناً بحلول نهاية العام. وفقاً لهذا الإطار، سيتمّ تصنيف معظم مناطق سردينيا على أنّها "غير مناسبة" لمشاريع الطاقة المتجدّدة، ما يعني أنّ 99 في المئة من الجزيرة ستكون خارج نطاق التطوير.
احتجاجات السكان
تظاهر مئات السكان أمام البرلمان الإقليمي في كالياري الشهر الماضي، رافعين شعار "اتركوا سردينيا وشأنها!" وطالبوا بأن تقتصر مشاريع الطاقة المتجددة على أسطح المنازل والمجتمعات المحلية فقط. يقول دافيدي ميلوني، عضو في مجموعة "الدفاع عن الأرض": "علينا إنتاج الطاقة لسردينيا فقط، لمنازلنا وليس لتصديرها."
التوازن بين التنمية وحماية التراث
يُشير خبراء مثل البروفيسور سانتولو ميو من جامعة نابولي إلى أنّ القوانين الجديدة كان يجب أن تسعى إلى تحقيق التوازن بين تطوير الطاقة المتجدّدة وحماية البيئة. ويقترح استغلال الطاقة المائية المدية بعيداً عن السواحل كحلّ بديل.
بينما تتصاعد الاحتجاجات ضدّ مشاريع الطاقة المتجددة، يؤكّد السكّان أنّ معارضتهم ليست رفضاً للتّقدّم بل دفاعاً عن تراثهم وهويتهم الثقافية. تقول مارتا روساس، إحدى المتظاهرات: "سردينيا تعني المناظر الطبيعية البرية والجمال النقيّذذ. هذا ما ورثناه من أجدادنا، وما نسعى للحفاظ عليه من أجل أحفادنا."
في ظل هذا الجدل، تظل سردينيا نموذجاً لتحديات التحول نحو الطاقة النظيفة في مواجهة المخاوف البيئية والاجتماعية.