تصميم "النهار".
هل وصلت نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى طريق مسدود؟ فمنذ إطلاق "شات جي بي تي" قبل عامين، بعث التقدم الهائل في التكنولوجيا آمالاً في ظهور آلات ذات ذكاء قريب من الإنسان، لكنّ الشكوك في هذا المجال تتراكم.
تعد الشركات الرائدة في القطاع بتحقيق مكاسب كبيرة وسريعة على صعيد الأداء، لدرجة أن "الذكاء الاصطناعي العام"، وفق تعبير رئيس "أوبن إيه آي" سام ألتمان، يُتوقع أن يظهر قريباً.
وتبني الشركات قناعتها هذه على مبادئ التوسع، إذ ترى أنه سيكون كافياً تغذية النماذج عبر زيادة كميات البيانات وقدرة الحوسبة الحاسوبية لكي تزداد قوتها.
وقد نجحت هذه الاستراتيجية حتى الآن بشكل جيد لدرجة أنّ الكثيرين في القطاع يخشون أن يحصل الأمر بسرعة زائدة، وتجد البشرية نفسها عاجزة عن مجاراة التطور.
وأنفقت "مايكروسوفت" (المستثمر الرئيسي في أوبن إيه آي)، و"غوغل"، و"أمازون"، و"ميتا" وغيرها من الشركات مليارات الدولارات وأطلقت أدوات تُنتج بسهولة نصوصاً وصوراً ومقاطع فيديو عالية الجودة، وباتت هذه التكنولوجيا الشغل الشاغل للملايين.
وتعمل "إكس إيه آي"، شركة الذكاء الاصطناعي التابعة لإيلون ماسك، على جمع 6 مليارات دولار، بحسب "سي إن بي سي"، لشراء مئة ألف شريحة من تصنيع "نفيديا"، المكوّنات الإلكترونية المتطوّرة المستخدمة في تشغيل النماذج الكبيرة.
وأنجزت "أوبن إيه آي" عملية جمع أموال كبيرة بقيمة 6,6 مليارات دولار في أوائل تشرين الأول (أكتوبر)، قُدّرت قيمتها بـ157 مليار دولار.
وقال الخبير في القطاع غاري ماركوس "تعتمد التقييمات المرتفعة إلى حدّ كبير على فكرة أنّ النماذج اللغوية ستصبح من خلال التوسّع المستمرّ، ذكاءً اصطناعياً عاماً". وأضاف "كما قلت دائماً، إنّه مجرّد خيال".
الحدود القصوى
ذكرت الصحافة الأميركية مؤخراً أنّ النماذج الجديدة قيد التطوير تبدو وكأنّها وصلت إلى حدودها القصوى، ولا سيّما في "غوغل"، و"أنثروبيك" (كلود)، و"أوبن إيه آي".
وقال بن هورويتز، المؤسس المشارك لـ"a16z"، وهي شركة رأس مال استثماري مساهمة في "أوبن إيه آي" ومستثمرة في شركات منافسة بينها "ميسترال"، "إننا نزيد (قوة الحوسبة) بالمعدل نفسه، لكنّنا لا نحصل على تحسينات ذكية منها".
أمّا "أورايون"، أحدث إضافة لـ"أوبن إيه آي" والذي لم يتمّ الإعلان عنه بعد، فيتفوق على سابقاته لكنّ "الزيادة في الجودة كانت أقلّ بكثير مقارنة بالقفزة بين "جي بي تي 3 وجي بي تي 4"، آخر نموذجين رئيسيين للشركة، وفق مصادر أوردتها "ذي إنفورميشن".
ويعتقد خبراء كثر أجرت وكالة "فرانس برس" مقابلات معهم أنّ قوانين الحجم وصلت إلى حدودها القصوى.
ويؤكد سكوت ستيفنسون، رئيس "سبيلبوك"، وهي شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي القانوني التوليدي، أن "بعض المختبرات ركزت كثيراً على إضافة المزيد من النصوص، معتقدةً أن الآلة ستصبح أكثر ذكاءً".
وبفضل التدريب القائم على كميات كبيرة من البيانات المجمعة عبر الإنترنت، باتت النماذج قادرة على التنبؤ، بطريقة مقنعة للغاية، بتسلسل الكلمات أو ترتيبات وحدات "البكسل". لكنّ الشركات بدأت تفتقر إلى المواد الجديدة اللازمة لتشغيلها.
والأمر لا يتعلق فقط بالمعارف، فمن أجل التقدم، سيكون من الضروري قبل كل شيء أن تتمكن الآلات بطريقة أو بأخرى من فهم معنى جملها أو صورها.
"تحسينات جذرية"
وفي سياق متصل، فإن المديرين في القطاع ينفون أيّ تباطؤ في الذكاء الاصطناعي.
ويقول داريو أمودي، رئيس شركة "أنثروبيك"، في البودكاست الخاص بعالم الكمبيوتر ليكس فريدمان "إذا نظرنا إلى وتيرة تعاظم القدرات، يمكننا أن نعتقد أننا سنصل (إلى الذكاء الاصطناعي العام) في حلول عام 2026 أو 2027".
وكتب سام ألتمان على منصة "إكس": "ليس هناك طريق مسدود". ومع ذلك، أخّرت "أوبن إيه آي" إصدار النظام الذي سيخلف "جي بي تي-4".
وفي أيلول (سبتمبر)، غيّرت الشركة الناشئة الرائدة في سليكون فالي استراتيجيتها من خلال تقديم o1، وهو نموذج من المفترض أن يجيب على أسئلة أكثر تعقيداً، خصوصاً في مسائل الرياضيات، وذلك بفضل تدريب يعتمد بشكل أقل على تراكم البيانات مرتكزاً بدرجة أكبر على تعزيز القدرة على التفكير.
وبحسب سكوت ستيفنسون، رئيس "سبيلبوك"، فإن o1 "يمضي وقتاً أطول في التفكير بدلاً من التفاعل"، ما يؤدي إلى "تحسينات جذرية".
ويشبّه ستيفنسون تطوّر التكنولوجيا باكتشاف النار، فبدلاً من إضافة الوقود في شكل بيانات وقدرة حاسوبية، حان الوقت لتطوير ما يعادل الفانوس أو المحرّك البخاري. وسيتمكّن البشر من تفويض المهام عبر الإنترنت لهذه الأدوات في الذكاء الاصطناعي.