النهار

النهار

انفصال اليمن... شعار "الانتقالي" ينفّذه الحوثي!
عدن- عبدالرحمن أنيس
عدن- عبدالرحمن أنيس
المصدر: النهار العربي
في وقت تزايد الميليشيات الانقلابية الحوثية برفع شعار الحفاظ على الوحدة اليمنية، تتخذ خطوات وإجراءات على الأرض تعزز انفصال المحافظات الشمالية عن الجنوبية، والمناطق المحررة عن تلك المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
انفصال اليمن... شعار "الانتقالي" ينفّذه الحوثي!
يطبّق الحوثيون فعلياً سياسات انفصالية. (أ ف ب)
A+   A-

في وقت تزايد الميليشيات الانقلابية الحوثية برفع شعار الحفاظ على الوحدة اليمنية، تتخذ خطوات وإجراءات على الأرض تعزز انفصال المحافظات الشمالية عن الجنوبية، والمناطق المحررة عن تلك المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يؤكد في أدبياته ووثائقه على أن هدفه يتمثل في استعادة دولة الجنوب السابقة، يلتزم مسؤولوه في السلطة بموقف الدولة اليمنية منذ مشاركة المجلس في السلطة الشرعية المعترف بها دولياً، وتقتصر اجراءات "الانتقالي" الميدانية على رفع علم دولة الجنوب السابقة في الشوارع والميادين والمباني الحكومية وعلى البزّات العسكرية لعناصر الأمن، في حين يسارع الحوثيون إلى فرض اجراءات على الأرض يصفها مراقبون بالانفصالية، ما يتناقض مع مزايدتهم بشعار الحفاظ على الوحدة اليمنية.
 
وقررت ميليشيات الحوثي قبل سبعة أعوام منع تداول الطبعة الجديدة من العملة اليمنية، الأمر الذي أدى إلى وجود طبعتين منفصلتين في شمال اليمن وجنوبه، كما أغلقت الطرقات بين المدن، وفرضت الجبايات والرسوم الجمركية بين المحافظات الشمالية والجنوبية والمحررة وتلك الواقعة تحت سيطرتها، وأخيراً أعلنت صك عملة معدنية جديدة رغم تحذير البنك المركزي في عدن من التعامل معها، وقامت بتغيير المناهج الدراسية وإضافة دروس طائفية، الأمر الذي أدى إلى إزالة آخر المظاهر الوحدوية الهشة بين الشمال والجنوب والمتمثلة في العملة الواحدة والمنهج الدراسي الموحد.

ووقع قادة دولتي شمال اليمن وجنوبه في 22 أيار (مايو) 1990 على وحدة اندماجية تذوب فيها هوية الدولتين في دولة واحدة تسمى الجمهورية اليمنية، إلا أن هذا المشروع واجه عقبات في سنواته الأولى، الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب صيف 1994 التي انتهت بهزيمة الطرف الجنوبي واجتياح الشمال للجنوب عسكرياً، لتنشأ حركات احتجاجية جنوبية تنادي برفع المظالم عن الجنوبيين قبل أن تتطور إلى ظهور الحراك الجنوبي المنادي بعودة دولة الجنوب السابقة، في تموز (يوليو) عام 2007.
 

شواهد الانفصال الحوثي
ويقول وكيل وزارة الإعلام اليمنية أسامة الشرمي في حديث لـ"النهار العربي" أن جماعة الحوثي "تستغل كل الفرص الممكنة لاستخدام الخطاب العاطفي، في محاولة تنظيف سمعتها كجماعة ارهابية سواء في ما يتعلق بالقضايا الوطنية مثل الوحدة والانفصال، أو القضايا القومية كقضية غزة".

ويضيف: "لطالما زايدت جماعة الحوثي باسم الوحدة للتحشيد العسكري على المحافظات المحررة بينما تمارس الانفصال في مناطقها واقعاً، ومن شواهد الانفصال الحوثي فرض التعرفة الجمركية على البضائع المنقولة إلى مناطق سيطرتها من المحافظات المحررة وكأنها قد جاءت من دولة أخرى، كما شكلت جماعة الحوثي حكومة أخرى موازية للحكومة الوطنية الشرعية الموجودة في العاصمة الموَقتة عدن وأعلنت عن مجلس سياسي يقود المناطق التي تسيطر عليها، يترأسه أشخاص يعيّنهم زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي".

ويتابع الشرمي: "ومن الشواهد كذلك تغيير بنية النظام السياسي لليمن بشكل عام، في ما يشبه عملية تأسيس دولة جديدة داخل الدولة الوطنية اليمنية وأقرب إلى تكريس الانفصال عن اليمن في مناطق سيطرتها، أضف إلى ذلك قطعها للطرقات بين المحافظات ووضع المنافذ الحدودية ما بين المحافظات".

ويلفت المسؤول الحكومي إلى أنه "في الأيام الأخيرة عمدت الجماعة الى صك فئات نقدية معدنية لم يكن معمولاً بها في السابق، وفي المقابل صادرت من المواطنين كل الأوراق النقدية الرسمية الصادرة عن البنك المركزي اليمني من الفئات كلها، ومنعت تداولها في إطار سيطرتها، ما يؤسس لتهجين نظام نقدي غير شرعي ومفروض بالقوة على المواطنين والتجار في مناطقها".
 

مساعي تكريس الانفصال عن اليمن في مناطق الحوثي اليوم صارت مفضوحة - وفق تعبير وكيل وزارة الإعلام – و"لن تنتهي إلا بتقسيم البلد وفقاً لمعطيات الأمر الواقع، وهذا ما يرفضه الجميع سواء في الداخل اليمني أو في الإقليم والعالم".

انفصال فعلي على الأرض
من جانبه يرى الإعلامي والمحلل السياسي أيمن بجاش أن مزايدة الحوثيين بالحديث عن الوحدة يندرج في إطار محاولات كسب التأييد الشعبي، لأن الكثير من أبناء المحافظات الخاضعة لسيطرتهم لا يزالون متمسكين بالوحدة.

ويقول بجاش لـ"النهار العربي": "الحديث عن الوحدة يمكّن ميليشيات الحوثي من استمالة القبائل وحشد رجالهم إلى الجبهات تحت مسميات الدفاع عن الوحدة وحماية اليمن من التمزق، فيما الحقيقة أن هدفهم هو استكمال مشروعهم بالسيطرة على منابع النفط والغاز وتحويل اليمن إلى قاعدة إيرانية".

وأضاف: "اتخذ الحوثيون قرارات انفصالية كاملة جغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فمارسوا الانفصال فعلياً على الأرض جغرافياً بإقامة الحواجز وإغلاق الطرقات التي يرفضون فتحها حتى الآن، وسياسياً بتغيير شكل الدولة إلى النظام الإيراني، والجميع يعلمون أن ما هو قائم من حكومة وبرلمان مجرد شكل أمام الشعب والمجتمع الدولي، واقتصادياً بإقامة المنافذ الجمركية وإيقاف التعامل بالطبعة الجديدة من العملة النقدية وصولاً إلى إصدار العملة المعدنية، وثقافياً بتغيير المنهج الدراسي وفرض أفكارهم المستمدة من الفكر الإثني عشري".
 

ويلفت بجاش إلى أن "هذا الانفصال هو في إطار خطوات تنفيذ مشروعهم الطائفي الذي يتضمن أيضاً الانسلاخ عن كيان الدولة اليمنية التي كانت قائمة قبل انقلاب أيلول (سبتمبر) 2014 وعلى طريق العودة إلى دولة الإمامة التي كانت قائمة قبل قيام الجمهورية وينتمي الحوثي إليها"، مضيفاً: "طبعاً هذا لا يعني أنهم لا يريدون السيطرة على المحافظات الجنوبية، ولكنهم يسعون الآن لإحكام سيطرتهم بشكل كامل على المناطق الخاضعة لسيطرتهم".

تعزيز حوثي لفكرة الانفصال
إلى ذلك يقول الصحافي اليمني عبد الإله سميح إن ميليشيا الحوثي دأبت على ممارسة "التقيّة" في معظم – إن لم يكن كل - توجهاتها وقراراتها المختلفة، ومن هذا المنطلق تستخدم "الوحدة اليمنية" وتقدم نفسها كمدافع عنها نظرياً، ويلوك قادتها هذا المصطلح باستمرار، بهدف استرضاء الكتل السكانية الكبيرة والمجتمعات القبلية الخاضعة لسيطرتها في شمال البلاد.

ويضيف سميح في حديث لـ"النهار العربي": "أعتقد أن ذلك يتطابق مع توجهات داعميهم في إيران، وله أهداف أخرى رئيسية، تتمثل في افتعال الصعوبات والعراقيل أمام أي ترتيبات لتسوية سياسية نهائية، إن لم تستجب لمطالبهم بشكل كامل".

ويتابع: "على النقيض من الدعوات التي يطلقها قادة الحوثيين بالحفاظ على الوحدة، تأتي ممارساتهم الانفصالية وإجراءاتهم الأحادية على عدة مستويات في المناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات، كالرسوم الجمركية التي تفرضها على البضائع المتجهة إلى مناطق سيطرتها في المحافظات الشمالية، والآتية من موانئ المناطق الجنوبية الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، إضافة إلى التعديلات والتغييرات الطائفية الخطيرة التي فرضها الحوثيون على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، فضلاً عن حالة الانقسام المصرفي بين الجنوب والشمال، الذي عمقته الميليشيا مؤخراً بعد رفضها التعامل بالعملات الورقية الجديدة الصادرة عن البنك المركزي اليمني في مناطق الحكومة، من خلال صك عملة جديدة، من فئة 100 ريال، بذريعة مواجهة أزمة السيولة واستبدال العملة التالفة".

واستغرب سميح الصمت المطبق للنخب اليمنية، في حين تتعالى الأصوات حين يطالب الجنوبيون بفك الارتباط القائم بين دولتي جنوب اليمن وشماله، لأسباب عديدة، في حين لا تحذر هذه النخب من خطورة الإجراءات الحوثية على البلد ومستقبله وأمنه واستقراره.